الاثنين، 31 أكتوبر 2016

وصلة من الردح باللغة الفصحى


دأب المهجريون في غربتهم على عقد بعض التجمعات العائلية والندوات الأدبية، كمحاولة منهم لخلق عالم عربي لهم في مهجرهم، ولتسليتهم عن واقعهم في تلك الغربة ، وكانوا يعقدون تلك الاجتماعات في مكتب جريدة السائح ومنزل أبي ماضي ومطعم دمشق بالنسبة للمهجريين الشماليين، أما الجنوبيون فكانوا يعقدونها في منزل شفيق معلوف أو السيدة ماريا خوري أو مكتب مجلة الشرق أو مكتب ضعون ومن تلك الندوات الأدبية ذات الطابع المرح ما تم في منزل إيزابيل معلوف في المهجر الجنوبي حيث كان معها شاهين وميشال وفوزي وشفيق آل معلوف يشربون القهوة، وفجأة سقط فنجان إيزابيل فتكسر فاقترحت عليهم تسجيل الحادثة شعرا مرتجلا وللفائز ساعة هدية فهب شاهين قائلا :


  • ثمل الفنجان لما لامست =شفتاه شفتيها واستعر
  • فتلظت من لظاه يدهاوهو لو يدري ما جناه اعتذر
  • وضعته عن ذا من كفهايتلوى قلقا أين استقر
  • وارتمى من وجده مستعطفا قدميها وهو يبكي فانكسر
فقام مؤسس العصبة الأندلسية ميشال معلوف وأنشد :


  • عاش يهواها ولكن - في هواه يتكتم
  • كلما أدنته منها- لاصق الثغر وتمتم
  • دأبه التقبيل لا ينفك حتى يتحطم
وبعده قام شفيق المعلوف صاحب المطولة الشعرية " عبقر " وارتجل :

  • إن هوى الفنجان لا تعجب وقد- ظفر الحزن على مبسمها
  • كل جزء طار من فنجانها- كان ذكرى قبلة من فمها

فتقدم صاحب المطولتين الشعريتين "شعلة العذاب " و " على بساط الريح " فوزي المعلوف قائلا :

  • ما هوى الفنجان مختارا ولو -خيروه لم يفارق شفتيها

  • هي ألقته وذا حظ الذي-يعتدي يوما بتقبيل عليها
  • لا ولا حطمه اليأس فها-هو يبكي شاكيا منها إليها
  • والذي أبقاه حيا سالما-أمل العودة يوما إليها
فاعتبروه الفائز لانفراده عن الباقين باعتباره الفنجان ما زال حيا وفيه بقية من أمل للرجوع إلى يديها .
  ومنالشعر الهجائى كان هذا الانفراد بين الصديقين
  • إفتتح الشاعر اللبناني " نعمت قازان "محل بيع الأحذية في" بوينس آيرس " قاصداً تسعة أعشار الرزق .. ويدخل عليه صاحبه الشاعر " توفيق غضون " مهنئاً ومباركاً ، فيتلقاه " نعمت " بوجه بشوش ويقدم له الشراب ، ويشكره على زيارته إياه . لكن " توفيقاً " لا يكتفي بالشراب ضيافة ، ويصر على أن ينال حذاءً هدية ، وأعلن أنه لن يغادر المحل إلا بهذه الهدية التي طلبها ... ويبتسم " نعمت " ويرضخ للأمر ، فيختار " توفيق " هديته ويحملها ، وقبل المغادرة يقدم له صاحب المحل ورقة مطوية وهو يودعه ... يفتحها " توفيق قبل الخروج ، فيقرأ فيها بيتين يقول فيهما:


لقـد أهـديت توفيقـاً حـذاءً فقال الحاسدون : وما عليه؟
أما قال الفتى العربي يوماً  شبيـه الشيء منجذب إليه ؟
لم ينبس " توفيق" ببنت شفة ، لكنه أخرج ورقة من جيبه وكتب عليها :

لو كان يُهدى إلى الإنسان قيمتُه  لكنت أستأهل الدنيا وما فيها
لكـن تقبلت هـذا النعـل معتـقـداً أن الهدايا على مقدار مهديها 

  • يروى أن الشاعر بكري رجب البابي الحلبي رحمه الله تعالى - وكان شاعراً مبدعاً رقيق الحاشية عذب التعابير لطيف المعشر – مع الشيخ العالم عبد الله سراج الدين بن الشيخ نجيب رحمهما الله تعالى حين دخل على الشيخ في غرفة إدارة الثانوية الشعبانية التي أسسها أبوه في حي " الفرافرة " في حلب القديمة لتخريج الدعاة إلى الله تعالى ثم عكف الشيخ عبد الله على تطويرها .. وكان الشاعر بكري رجب البابي الحلبي يعمل فيها مدرساً للغة العربية وبعض المواد الشرعية الأخرى .. دخل عليه مساء فقال له : " صبحك الله بالخير " فالتفت إليه الشيخ عبد الله سراج الدين وحدجه بنظرة فيها استغراب وعتاب واستفهام فأما العتاب فلأن الشاعر دائم " النهفات " وينأى عن الجد في كثير من مواقفه ، وطبيعته المرحة تدفعه إلى ذلك . وأما الاستفهام فلأن الشاعر ما ألقى تلك الجملة إلا ليردفها بتفسير وتعليل .. هكذا عوّد الأحباب ، والشيخ منهم .. وقال الشيخ بهدوء المتمكن : يا شيخ بكري رجب البابي الحلبي- ناداه باسمه كاملاً - أتسخر منا أم تريد مزاحا ؟
وقف الشاعر أمامه مبتسماً متحبباً وعيناه تغزلان ذكاءً ثم قال :

صبّحته عند المساء فقال لي  تهزا بقدري أم تروم مزاحا ؟
فأجبته : إشراق وجهك غرّني  حتى توهّمْت المساء صباحا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق